فتح مصر
كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية ، استولى عليها الروم سنة 40 قبل الميلاد ، فجعلوها تمدهم بما يحتاجون إليه من الغلال ، وأغلقت أمام سكان مصر الأصليين أبواب المناصب العالية ، وزادت عليهم الضرائب زيادة كبيرة شملت كل إنسان في مصر حتى وصل الظلم إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود الروم المارين والمستقرين بمصر كلهم ، حتى تمنى المصريون الخلاص من الروم .
ولما وصل عمربن الخطاب إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ قال له عمرو بن العاص : ائذن لي في المسير إلى مصر ؛ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .
وتردد عمر في الأمر خوفاً على المسلمين أن يصيبهم الإرهاق من كثرة الحروب المتواصلة وقد فرغوا قريباً من فتوحات الشام ، وخشية من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وينشروا دينهم في البلاد المفتوحة ، لكن عَمرو هون الأمر على الخليفة ، فقال له عمر حينذ : إني مرسل إليك كتاباً وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر ، فإن أدركك قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره .
وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها ، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين ، فلم يتسلمه من حامله ، حتى شارف العريش ، فأخذ الكتاب ، وقرأه على أصحابه ، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر ، ولكن عَمْراً الآن في أرض مصر ، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله .
اخترق الجيش سيناء سنة : 18هـ ، ففتح العريش من غير مقاومة تذكر ؛ لأن حصونها لم تكن من المتانة لتصمد في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً، ولعدم وجود حامية رومية بها . ثم غادر عمرو العريش ، سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته الى مصر .
ولم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر المحرم 19للهجرة ، وسار عمرو بعد ذلك حتى وصل بلبيس فوجدها محصنة ، وفيها أرطبون الروم ، وقد فرّ من فلسطين قبيل تسليم بيت المقدس ، وخلال شهر من الحصار والاشتباكات فتحت المدينة ، وكان بها ابنة المقوقس أرمانوسة ، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة .
وطلب عمرو المدد من أمير المؤمنين ، فأرسل أربعة آلآف مجاهد ، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلآف ، على كل ألف رجل منهم مقام الألف .. ) .
وصل هذا المدد بقيادة الزبير إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ، ولكن تيودور قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد ، ولكن عمراً تنبه للأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل الأحمر وانقض على الروم ، فاختل نظامهم ، واضطرب تيودور فتراجع لينظم قواته ، فقابله الكمين الذي كان بقرب النيل ، فأصبح تيودور وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات ، فحلت به الهزيمة ، فركب بعضهم في النيل وفر إلى حيث لايرى ، وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن .
لم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون ،فإن فتح فتحت مصركلها ، ولكن الحصار طال وتأخر الفتح سنتين ، وما ذاك إلا بسبب : قلة عدد المسلمين (8004 رجل ) ، ومتانة أسوار حصن بابليون ، وتجمع الآلآف من جند الروم به ، وقلة معدات الحصار مع الجند المسلمين ، مع فيضان النيل .
وطلب المقوقس من عمرو رجالاً يتحادث معهم من المسلمين فأرسل إليه وفداً بقيادة عبادة بن الصامت ، وأبقى عمرو رسل المقوقس عنده يومين وليلتين حتى يطلعوا على أحوال جند المسلمين فيخبروا بذلك من وراءهم ، ثم ردهم عارضاً عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال .
أما الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى ، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين . فوضع سلما ً إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ، ومعه السيف ، وقد عصب رأسه بعمامة صفراء علامة حب الموت أوالنصر .
وقفز الزبير داخل الحصن ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم ، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة ، وأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد ، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا ، واستطاع الزبير أن يفتح الباب ، واقتحم المسلمون الحصن ، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر .
ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، فأجابه عمرو إلى ذلك .
وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة ؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا .
==========================
الحرب العالمية الأولى
مقدمة
ساهمت عوامل متعددة في اندلاع أول حرب عالمية ما بين28يوليو1914و11نونبر 1918،واعتبرها البعض حربا امبريالية بين الدول الأوربية،فما هي أسباب حدوثها؟وما هي مراحل ونتائج هذه الحرب؟
حدثت الحرب العالمية الأولى لأسباب مباشرة وغير مباشرة
يعتبر التسابق بين التسلح وتكوين الأحلاف العسكرية من أسباب حدوث الحرب العالمية الأولى-
التنافس الامبريالي:نتج عن التنافس الامبريالي خلال القون19تزايد التوتر بين دول أوربا،وأدى ذلك إلى زيادة النفقات العسكرية والتسابق نحو التسلح بين انجلترا وألمانيا(بحرا)وفرنسا وألمانيا(برا).وكان التوتر قويا بين فرنسا وألمانيا بسبب منطقتي الألزاس واللورين(منذ حرب 1870).وظهر أن ألمانيا تعمل على الرفع من عدد جنودها ودرجة تسلحها. - تكوين التحالفات:تكونت بأوربا أحلاف وتكتلات أهمها التحالف الثلاثي La Triple Alliance بين ألمانيا والنمسا-هنغاريا وإيطاليا سنة 1882(دول المركز)،وتم عقد اتفاقية عسكرية بين روسيا وفرنسيا سنة 1892،وتطور بتكوين وفاق ثلاثي La Triple Entente بانضمام انجلترا سنة 1907(دول الوفاق).
كان للأزمة البلقانية دور كبير في حدوث الحرب العالمية الأولى-
الأزمة البلقانية:نتج عن تراجع الدولة العثمانية في منطقة البلقان حدوث نزاع بين الدول الصغرى بالمنطقة،وحدوث صراع بين روسيا التي ترغب في الحصول على منفذ على البحر المتوسط(الدردنيل والبوسفور)ولذلك دعمت صربيا(العنصر السلافي)،وبين النمسا-المجر القوة السياسية الكبرى في أوربا الوسطى،والتي ترغب أيضا في الحصول على منفذ على البحر. - بدأ النزاع بقيام الإمبراطور النمساوي فرانسوا جوزيف بضم البوسنة والهرسك في 5أكتوبر 1908،وكذلك بمطالبة صرب البوسنة بالانضمام إلى صربيا.وفي سنة 1913حققت صربيا على امتيازات ترابية على حساب المناطق المجاورة(مقدونيا)،ولم تقبل بلغاريا والنمسا-المجر بذلك. - حادثة سراييفو:في 28يونيو1914تم مقتل ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند من طرف طالب بوسني( Princip)أثناء زيارته لمدينة سراييفو عاصمة البوسنة،وتعتبر السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى،ورأت النمسا-المجر الفرصة مناسبة حيث أرسلت إنذارا أعطت فيه مهلة 48ساعة لقبول شروط منها إشراف موظفين نمساويين في حادثة الاغتيال،ورفضت صربيا ذلك،فأعلنت النمسا الحرب عليها في 27يوليو،وأعلنت روسيا التعبئة العامة ومساندتها لصربيا،وقامت ألمانيا بتوجيه إنذار لروسيا (لإيقاف الاستعدادات)وفرنسا(لإعلان الحياد في حالة حدوث الحرب)،وأعلنت مساندتها للنمسا والحرب في1غشت،ودعمت فرنسا وإنجلترا روسيا.
شهدت الحرب العلمية الأولى تفوقا لدول المركز انقلب في نهايتها لتفوق دول الوفاق
المرحلة الأولى-
حرب الحركة:انطلقت الحرب باكتساح ألمانيا بلجيكا وهي دولة محايدة،وهجوم على فرنسا،وفي نفس الوقت تم إرسال قوات ألمانية إلى الجبهة الروسية،ووجدت القوات الألمانية نفسها في الجبهة الغربية أمام تحالف للجيوش الفرنسية والفرنسية وكانت المواجهة في هذه الجبهة عنيفة،ودخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا حيث أغلقت مضيق الدردنيل لمنع وصول الإمدادات إلى روسيا. - حرب المواقع:انتقلت القوات المتحاربة إلى حرب المواقع بسبب فشل الخطط الهجومية وذلك بحفر الخنادق ولذلك كان تقدم القوات بطيئا،وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى،وفي سنة 1915دخلت بلغاريا إلى جانب دول المركز،ودخلت إيطاليا مع دول الوفاق،واستمرت حرب الاستنزاف وخاصة في معركة فردان Verdun في فبراير 1916.وعرفت الحرب استخدام أسلحة جديدة و خاصة الدبابات والطائرات والغواصات والغازات الخانقة،وتم توجيه الاهتمام إلى إنتاج الأسلحة.
المرحلة الثانية-
اقتصرت مساندة الو.م.أ.لدول الوفاق على مدها بالأسلحة والمواد الغذائية،وأدى ضرب الغواصات الألمانية للسفن الأمريكية إلى إعلان الرئيس ولسون الحرب على دول المركز،في حين انسحبت روسيا بعد حدوث الثورة وتوقيع معاهدة بريست ليتوفسك بين ألمانيا وروسيا.وفي يوليو 1918حدثت معركة المارن حيث نتج عن الهجوم الألماني على باريس استنزاف القوات الألمانية التي بدأ تراجعها بوصول القوات الأمريكية،فانهارت بلغاريا(شتنبر)والدولة العثمانية(أكتوبر)والنمسا-المجر وألمانيا(نونبر).
كان للحرب العالمية الأولى عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية
ساهمت الحرب ع.أ. في حدوث تحولات اقتصادية واجتماعية-
النتائج البشرية والاجتماعية: •نتج عن الحرب سقوط الملايين من القتلى( 8مليون:ألمانيا1,8مليون،روسيا1,7مليون،النمسا-المجر1,4مليون، فرنسا1,3 مليون،بريطانيا750ألف،إيطاليا750ألف،الصرب365ألف،الو .م.أ.115ألف)والملايين من الجرحى،وانتشار الأوبئة وارتفاع نسبة الوفيات وأدى ذلك إلى تراجع الساكنة النشيطة وارتفاع نسبة الإناث والشيوخ. •وخلفت عن الحرب تحولات اجتماعية هامة كتوسع تشغيل النساء،وظهر أثرياء الحرب وتزايد عدد الفقراء. - النتائج الاقتصادية: •دمرت الحرب إضافة إلى الدور السكنية الطرق والسكك الحديدية والقناطر والمسالك النهرية والأراضي الفلاحية والمصانع والمناجم فانخفض الإنتاج الفلاحي والصناعي(التوجه نحو الإنتاج الحربي)واضطرت دول أوربا إلى الاستدانة من و.م.أ.التي أصبحت مزود دول أوربا بالمنتجات الفلاحية والصناعية خلال وبعد الحرب،وتضاعف فائضها التجاري واحتكرت نصف الاحتياطي العالمي للذهب،وأصبحت مركز القوة على المستوى الاقتصادي بدل بريطانيا. •وخلال الحرب استخدمت الدول الاستعمارية مستعمراتها بتجنيد الجنود واستغلال مواردها الاقتصادية.
تغيرت بسبب الحرب الخريطة السياسية لأوربا•انعقد مؤتمر السلام في باريس ما بين18يناير و28يونيو1919وشارك فيه32بلدا من بينها 27دولة شاركت في الحرب،ولم تشارك الدول المنهزمة،واستدعيت فقط للتوقيع على المعاهدات،وهيمنت فيه الدول الأربع الكبرى(الو.م.أ:ولسون، فرنسا: كليمونصو،إنجلترا:لويد جورج،إيطاليا:أورلاندو). •فرضت على الدول المنهزمة توقيع المعاهدات أبرزها: •معاهدة فرساي:وقعت مع ألمانيا في28يونيو1919،تضمنت تحميل ألمانيا مسؤولية حدوث الحرب وإلزامها بأداء التعويضات، وتحديد عدد جيشها،وإلغاء الخدمة العسكرية،وتجريد منطقة الراين من السلاح،وإرجاع الألزاس واللورين إلى فرنسا،وضع منطقة السار تحت إشراف عصبة الأمم وتنال فرنسا على مدى15سنة إلى غاية إجراء الاستفتاء الفحم المستخرج كتعويض عن الخسائر،وضم شمال شلزويك للدانمارك بعد إجراء الاستفتاء،وتأسيس بولونيا وإعطائها ممرا على البلطيق، وتجريد ألمانيا من المستعمرات ووضعها تحت انتداب فرنسا(القسم الأعظم من الطوغو والكاميرون)وجنوب إفريقيا(جنوب غرب إفريقيا)واليابان(الجزر الألمانية بالمحيط الهادي)واستراليا(غينيا الجديدة). •معاهدة سان جرمان:وقعت مع النمسا في10شتنبر1919،بفصل هنغاريا(المجر)عن النمسا،واقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد قواتها العسكرية. •معاهدة تريانون:وقعت مع المجر في4يونيو1920،باقتطاع مناطق من أراضيها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة نويي:وقعت مع بلغاريا في 27نونبر1919،باقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة،وتحديد عدد الجنود. •معاهدة سيفر:وقعت مع تركيا العثمانية في11غشت1920،التي تنازلت عن مناطقها لصالح فرنسا وإنجلترا(المناطق العربية)، والتنازل عن مناطقها بأوربا لصالح الدول المجاورة،ووضع مضيقي الدردنيل والبوسفور تحت الرقابة الدولية. •ونتج عن الحرب سقوط الإمبراطوريات(ألمانيا،النمسا-المجر،تركيا العثمانية،روسيا)وتغيرت الخريطة السياسية لأوربا لصالح الدول المنتصرة وظهرت دول جديدة(تشيكوسلوفاكيا،يوغوسلافيا،..)على حساب أقليات قومية. •وتم بضغط من الرئيس ولسون تأسيس عصبة الأمم يوم28أبريل1919،وتضم الجمعية العامة وتعقد دورة في السنة،ومجلس العصبة يتكون من خمس أعضاء دائمين:فرنسا،بريطانيا،إيطاليا،الو.م.أ.واليابان،وال أعضاء المؤقتين(4إلى
ينتخبون كل ثلاث سنوات،ويجتمع ثلاث مرات في السنة،وتديرها كتابة عامة ولجان متخصصة.ولن تشارك فيها الو.م.أ.(رفض الكونغرس)وروسيا وألمانيا، ووظفت لصالح المصالح الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية.
خاتمة
كان للحرب العالمية الأولى نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة وكان لها آثارا بعيدة المدى ستؤثر على العالم وخاصة أوربا إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية.
برزت على الساحة الأوروبية ألمانيا وإيطاليا كدولتين قويتين
بعد تحقيق وحدتيهما سنة (1287هـ= 1870م)، وأخذتا تطالبان
بنصيبهما في المستعمرات، وتشاركان الدول الكبرى في التنافس
الاستعماري، وفي الوقت نفسه ازدادت التناقضات الأوروبية،
وازداد معها الشك وفقدان الثقة بين الدول الأوروبية، وكان مبدأ تحكيم القوة
بشكل مطلق في النزاع يسود ذلك العصر؛ فظهرت سياسة الأحلاف الأوروبية الكبرى
القائمة على مبدأ توازن القوى، وعرفت أوروبا سباق التسلح بين هذه التحالفات.
وكان الزعيم الألماني "بسمارك" قد ربط ألمانيا بمعاهدات تحالف ودفاع ضد كل من
روسيا وفرنسا، فأدى ذلك إلى حدوث تقارب روسي ـ فرنسي رغم اختلاف أنظمة الحكم
بهما، ووقِّع ميثاق عسكري بينهما سنة (1311هـ= 1893م) ضد ألمانيا عرف بالحلف
الثنائي، ليقف في مواجهة التحالف الثلاثي بزعامة ألمانيا، وهكذا انقسمت أوروبا
إلى معسكرين. وفي السنوات التالية لذلك بدأت الدول الأوروبية في تحالفات أخرى،
منها معاهدة التحالف البريطانية- اليابانية سنة (1320هـ= 1902م)، والاتفاق
الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة (1322هـ= 1904م).
والمعروف أن بريطانيا بدأت في تسوية خلافاتها مع فرنسا بسبب قلقها من تنامي
القوة الألمانية البحرية، وتقدمها الصناعي ونزعتها إلى الفتح والاستعمار،
وبذلك تخلت بريطانيا عن سياسة "العزلة المجيدة" عن دول أوروبا، ونتج عن
التقارب بين لندن وباريس تقارب مع موسكو، تحول سنة (1325هـ= 1907م) إلى وفاق
ثلاثي، وبهذا انقسمت أوروبا بين دول الوفاق الثلاثي -الذي يضم إنجلترا وفرنسا
وروسيا-، ودول الحلف الثلاثي الذي يضم ألمانيا والنمسا وإيطاليا، غير أن روابط
إيطاليا بالحلف الثلاثي كانت واهية، وأخذ الصراع في أوروبا يتخذ شكل تكتلات
بعد أن كان في الماضي يتخذ شكلا انفراديًا، وأصبح التهديد بين دولتين بالحرب
يتخذ شكل تهديد بالحرب بين كتلتين، أي حربا عالمية.
الأزمات
وقعت منذ عام (1324هـ= 1906م) أزمات في أوروبا بين دول الوفاق ودول الحلف،
وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان أخطر هذه الأزمات في المغرب والبلقان،
ففي المغرب كانت سيطرة الفرنسيين الاقتصادية قد استفزت الإمبراطور الألماني
"وليم الثاني"؛ فدعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء (1324هـ=
1906م) تحول إلى صراع دبلوماسي بين فرنسا وألمانيا، لقيت كل دولة منهما
التأييد من حليفاتها. وفي هذا المؤتمر ظهر احتمال قيام حرب بين ألمانيا وكل
من: فرنسا وبريطانيا وروسيا، وبحث العسكريون في هذه الدول الخطط المحتملة لهذه
الحرب.
وكانت الخطة الألمانية تقضي بأن يسحق الجيش الألماني فرنسا ويخرجها من ميدان
القتال بحركة التفاف واسعة النطاق عبر الأراضي البلجيكية، وحين ينتهي من ذلك
يقذف بكل قواته ضد الروس، وكان القيصر الألماني قد أصدر تعليمات بأن تقضي
الخطة العسكرية بدخول الألمان باريس خلال أسبوعين من الحرب.
أما الأزمة الثانية فقد وقعت في البلقان سنة (1326هـ= 1908م)، وكانت المشروعات
القومية في البلقان تمثل قنبلة موقوتة في قلب أوروبا؛ لأن كل دولة بلقانية لها
أحلامها القومية التي تتعارض مع الدول البلقانية الأخرى ومع مصالح الدول
الكبرى، وكانت إمبراطورية النمسا والمجر تقف في وجه كل الأماني القومية للصرب
والبلغار والرومانيين وغيرهم.
وقد انفجر الصراع عندما قررت النمسا ضم البوسنة والهرسك إليها، وكان هذا الأمر
يعني إبعاد مليون صربي عن وطنهم الأم إبعادًا أبديًا، وضمهم إلى الملايين
الخمسة من الصربيين الخاضعين لإمبراطورية النمسا، فأعلنت روسيا التي تعتبر
نفسها الأم لشعوب البلقان التعبئة العامة في (ذي الحجة 1326هـ= ديسمبر 1908م)؛
لكي تحتفظ بهيبتها.
فبدت الحرب وشيكة الوقوع، غير أن فرنسا لم تبد حماسًا لتأييد روسيا، ونصحت
بريطانيا النمسا بإعادة النظر في موقفها؛ فعرضت النمسا تقديم تعويض مالي
للسلطان العثماني عن ممتلكاته في البوسنة والهرسك، على أن تقبل الدول
الأوروبية الاعتراف بما حدث، إلا أن الروس راوغوا في قبول هذا الاقتراح، فهددت
ألمانيا روسيا التي رضخت لهذا التهديد.
وبالتالي لم يكن في وسع الصرب مواجهة النمسا، خاصة أن دعاة الحرب في النمسا
كان يروجون لفكرة ضرورة مواجهة الأفعى الصربية، وأن الحرب مع الصرب آتية لا
محالة ومن الأفضل التعجيل بها؛ فأقر الصرب بضم النمسا للبوسنة والهرسك، وبذلك
انتهت الأزمة التي هزت النظام القائم في أوروبا هزًا عنيفًا بانتصار التحالف
الألماني النمساوي، غير أن الطريقة التي هزم بها الوفاق الثلاثي (الروسي-
الفرنسي- الإنجليزي) قربت ساحة الحرب بدرجة كبيرة، فقد هزمت روسيا تحت تهديد
السلاح الألماني، وكان على دول الوفاق ألا تسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.
أزمة أغادير
وجاءت أزمة أغادير في (شعبان 1336هـ= يوليو 1911) لتقرب الطريق إلى الحرب، فقد
انتهزت فرنسا الوضع الداخلي في المغرب، وأرسلت حملة بحرية لمساعدة سلطانها،
فأثار هذا العمل ألمانيا التي أرسلت إحدى مدمراتها إلى ميناء أغادير المغربي
بحجة حماية المصالح والرعايا الألمان؛ فأعلن رئيس الوزراء البريطاني "مانش
هاوس" أن بلاده لن تقف ساكنة إذا فُرضت الحرب على فرنسا، وأدرك الجميع بعد
خطاب هاوس أن ألمانيا أمام خيارين إما أن تقاتل أو تتراجع، إلا أن هذه الأزمة
انتهت باتفاقية أصبحت بمقتضاها المغرب فرنسية، مع احتفاظ ألمانيا بالحق في
التجارة بها، وتعويضها بشريطين كبيرين في الكونغو الفرنسي.
وقد تغيرت السياسة الفرنسية تغيرًا جذريًا بعد أزمة أغادير، فقد تولت السلطة
في باريس حكومة ذات نزعة وطنية متطرفة بزعامة بوانكاريه، حيث تبنت إستراتيجية
الدفاع الهجومي لمواجهة ألمانيا أو ما يعرف بالحرب الوقائية بدلا من
إستراتيجية الدفاع فقط، وأدى ذلك إلى قيام فرنسا بحمل روسيا على التخلص من
جميع ارتباطاتها مع ألمانيا، في مقابل حصولها على مساندة فرنسية للادعاءات
الروسية في البلقان، وأعلنت فرنسا أنه إذا تدخلت ألمانيا في حرب تنشب في
البلقان، فستدخل تلك الحرب إلى جانب روسيا في كل الأحوال.
أما إيطاليا فاستغلت أزمة أغادير لتحقيق أطماعها في شواطئ ليبيا وبحر إيجه،
وأعلنت الحرب على الدولة العثمانية، فوقفت ألمانيا إلى جانب الدولة العثمانية،
وهو الأمر الذي ساعد على خروج إيطاليا من الحلف الثلاثي وإعلانها الحرب على
ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى.
سباق التسلح
استعملت الدبابة لأول مرة في الحرب العالمية الأولى كان برنامج التسلح
الألماني البحري يقوم على أن يكون لألمانيا أسطول بحري مقاتل يكون أقوى من أي
قوة بحرية تملكها أعظم دولة بحرية معادية، وقد أقنعت أزمة أغادير بريطانيا
وألمانيا بأن الحرب ستكون السبيل الوحيد لحل أي خلاف بينهما في المستقبل؛ لذلك
تسابقت الدولتان في التسلح البحري، وكان المبدأ الذي تتمسك به بريطانيا
لامتلاكها ناصية البحار هو أن تكون قوة الأسطول الإنجليزي مساوية لجموع قوات
أقوى دولتين بحريتين في العالم؛ لذلك قلقت لندن من برنامج التسلح البحري
الألماني.
أزمة البلقان
كان الصرب والبلغار يأملون أن تساعدهم روسيا في المستقبل؛ لذلك تنصلوا من
وعودهم للنمسا في عدم القيام بدعاية للجامعة الصربية والدولة السلافية الكبرى
في داخل النمسا والمجر، وانتهى الأمر بتكوين العصبة البلقانية التي تضم
بلغاريا واليونان والصرب، وحذرت الدول الكبرى هذه العصبة من أي محاولة لتمزيق
ممتلكات الدولة العثمانية في البلقان، غير أن الصرب أعلنوا الحرب على
العثمانيين في (ذي القعدة 1330هـ= أكتوبر 1912م) فاشتعلت الحرب في البلقان،
وفي ستة أسابيع انتزعت العصبة البلقانية جميع أراضي العثمانيين في أوروبا ما
عدا القسطنطينية.
وأثارت هذه الانتصارات النمسا التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي، وكان أهم غرض
للنمسا هو حرمان الصرب من منفذ بحري مباشر على بحر الأدرياتيك، وأصبحت ألبانيا
مركزًا للصراع الدبلوماسي الشديد بين النمسا وروسيا، لكن المشكلة سويت بإقامة
دولة مستقلة في ألبانيا يحكمها ألماني، ووقعت معاهدة لندن التي حصرت الأملاك
العثمانية في أوروبا في القسطنطينية وشبه جزيرة غاليبولي.
ولم يكد مداد معاهدة لندن يجف حتى نشبت الحرب بين دول العصبة البلقانية الثلاث
على مغانم الحرب، وتدخلت الدولة العثمانية ورومانيا في تلك الحرب، وتدخلت
الدول الكبرى لتحقيق مصالحها خاصة روسيا والنمسا، وانتهت الحرب البلقانية
الثانية بهزيمة بلغاريا وضعفها، وتنامي قوة صربيا، وتزعزع مكانة النمسا
الدولية؛ لذلك فكرت النمسا في سحق صربيا عسكريًا لتفادي خطر تكوين دولة صربيا
الكبرى، وبالتالي تسببت الحروب البلقانية في زيادة التوتر داخل الكتلتين
الأوروبيتين المتصارعتين: الحلف الثلاثي، والوفاق الثلاثي، والاستعداد لمواجهة
عسكرية كبرى.
الحرب العالمية الأولى
وقد تهيأت الظروف لنشوب حرب عالمية كبرى بين الدول الأوربية عقب اغتيال طالب
صربي متطرف لولي عهد النمسا الأرشيدق "فرانز فيرديناد" وزوجته في سراييفو يوم
(4 شعبان 1332 هـ= 28 يونيه 1914م)، فانتهزت النمسا هذا الحادث وأعلنت الحرب
ضد صربيا، وسرعان ما انتشرت هذه الحرب المحلية لتشمل القارة الأوروبية كلها،
فقد شعرت روسيا بمسئوليتها عن حماية الصرب فأعلنت التعبئة العامة، ورفضت
الإنذار الألماني بوقف هذه التعبئة، فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا.
ولما كانت فرنسا مرتبطة بتحالف مع روسيا، أعلنت ألمانيا عليها الحرب، وأخذت في
تنفيذ مشروعها الحربي في غزو فرنسا عن طريق اختراق بلجيكا ولوكسمبورج في (14
من رمضان 1332هـ= 14 من أغسطس 1914م)، وكانت تلك بداية الحرب العالمية الأولى،
التي شارك فيها ثلاثون دولة، واستمرت أربع سنوات ونصف السنة.
كان الحلفاء يتفوقون على ألمانيا والنمسا والمجر في القوة العسكرية، فقد كان
لديهم (30) مليون مقاتل، في مقابل (22) مليون مقاتل، وكان للبحرية الإنجليزية
السيطرة على البحار. أما الجيش الألماني فكان أفضل الجيوش الأوروبية وأقواها،
وبلغت قوته أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مقاتل مدربين تدريبًا كاملا، ومليون
مقاتل مدربين تدريبًا جزئيًا.
وبدأت ألمانيا في تنفيذ خطتها لغزو فرنسا التي وضعت قبل تسع سنوات، غير أن
روسيا انتهزت فرصة انشغال القوات الألمانية في فرنسا، وأرسلت جيشين كبيرين
لتطويق القوات الألمانية في روسيا الشرقية، الأمر الذي اضطر ألمانيا إلى سحب
ثلثي القوات الألمانية بعد أن كانت على بعد (12) ميلا من باريس، وانتصر
الألمان على الروس في معارك تاننبرج الشهيرة، وفقدت روسيا ربع مليون من
جنودها، إلا أن هذا الانتصار أدى إلى هزيمة الألمان أمام الفرنسيين في معركة
المارن الأولى، وكتب الخلاص لباريس من السيطرة الألمانية، وتقهقر الألمان
وأقاموا المتاريس والخنادق، وتحولت الحرب منذ ذلك الحين إلى حرب خنادق احتفظ
خلالها الألمان بتفوق نسبي فكانوا على بعد (55) ميلا من باريس.
لم تمنع هزيمة روسيا أمام الألمان من قتال النمسا والانتصار عليها حيث أجبرتها
على الارتداد إلى مدينة كراكاو البولندية القديمة، وأصبح الروس في وضع يهددون
فيه ألمانيا تهديد خطيرًا؛ لأنهم لو تمكنوا من احتلال كراكاو لأمكنهم تدمير خط
الدفاع على الحدود الألمانية بأسره، ولم يجد الألمان وسيلة غير تهديد وارسو في
بولندا الخاضعة للسيادة الروسية، واشتبك الطرفان في معارك "لودز" التي انتهت
بحماية الحدود الألمانية.
الدولة العثمانية والحرب العالمية الأولى
وفي نهاية (ذي الحجة 1332هـ= أكتوبر 1914م) دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى
جانب ألمانيا ضد روسيا، فقام الحلفاء بحملة عسكرية ضخمة على شبه جزيرة
غاليبولي بهدف إنشاء ممر بين البحرين الأبيض والأسود، والاستيلاء على
القسطنطينية لإنقاذ روسيا من عزلتها، وتطويق ألمانيا، غير أن هذه الحملة فشلت
وانهزم الأسطول الإنجليزي وكانت كارثة كبيرة للحلفاء، فعمدوا إلى مهاجمة
الدولة العثمانية في ممتلكاتها في الشرق الأوسط فاستولوا على الممتلكات
الألمانية في الشرق الأقصى والمحيط الهادي.
إيطاليا والحرب العالمية الأولى
وفي (رجب 1333هـ= مايو 1915م) أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا بعد أن كانت
أعلنت حيادها عند نشوب الحرب، فقد أغراها الحلفاء بدخول الحرب لتخفيف الضغط عن
روسيا مقابل الحصول على أراض في أوروبا وإفريقيا، واستطاع الإيطاليون رغم
هامشية دورهم وضع الإمبراطورية النمساوية في أحرج المواقف؛ لذلك قامت الدول
المركزية بحملة عليها بقيادة القائد الألماني بيلوف، وألحقوا بإيطاليا هزيمة
ساحقة في كابوريتو في (المحرم 1336هـ= أكتوبر 1917م)، وأصبح ضعف إيطاليا هو
الشغل الشاغل للحلفاء طوال ذلك العام.
الحرب عام 1915
استطاع الألمان عام (1334هـ= 1915م) تحقيق مزيد من الانتصارات على الحلفاء،
فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة "جورليس تارناو" في (رجب 1333هـ= مايو
1915م)، واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين
الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها، إلا أن الروس حققوا بعض الانتصارات
الجزئية على الألمان، كلفتهم (325) ألف أسير روسي، الأمر الذي لم يتمكن بعده
الجيش الروسي من استرداد قواه.
وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية
والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.
واستطاع الألمان في ذلك العام أن يحققوا انتصارات رائعة على بعض الجبهات، في
حين وقفت الجبهة الألمانية ثابتة القدم أمام هجمات الجيشين الفرنسي
والبريطاني، رغم ظهور انزعاج في الرأي العام الإنجليزي من نقص ذخائر الجيش
البريطاني ومطالبته بتكوين وزارة ائتلافية، وحدثت تغييرات في القيادة العسكرية
الروسية.
الحرب عام 1916
تميز ذلك العام بمعركتين كبيرتين نشبتا على أرض فرنسا دامت إحداهما سبعة أشهر،
والأخرى أربعة أشهر، وهما معركة "فردان" و"السوم"، خسر الألمان في المعركة
الأولى (240) ألف قتيل وجريح، أما الفرنسيون فخسروا (275) ألفا. أما معركة
السوم فقد استطاع خلالها الحلفاء إجبار الألمان على التقهقر مائة ميل مربع،
وقضت هذه المعركة على الجيش الألماني القديم، وأصبح الاعتماد على المجندين من
صغار السن، وخسر الجيش البريطاني في هذه المعركة ستين ألف قتيل وجريح في اليوم
الأول.
وظهرت في هذه المعارك الدبابة لأول مرة في ميادين القتال، وقد استطاع الروس
خلال ذلك العام القيام بحملة على النمسا بقيادة الجنرال بروسيلوف، وأسروا
(450) ألف أسير من القوات النمساوية والمجرية؛ فشجع هذا الانتصار رومانيا على
إعلان الحرب على النمسا والمجر، فردت ألمانيا بإعلان الحرب عليها، واكتسح
الألمان الرومانيين في ستة أسابيع ودخلوا بوخارست.
حرب الغواصات والولايات المتحدة
وجرت في ذلك العام حرب بحرية بين الألمان والإنجليز عرفت باسم "جاتلاند"، خرج
خلالها الأسطول الألماني من موانيه لمقاتلة الأسطول الإنجليزي على أمل رفع
الحصار البحري المفروض على ألمانيا، وانتصر الألمان على الإنجليز وألحقوا
بالأسطول الإنجليزي خسائر فادحة، ولجأ الألمان في تلك الفترة إلى "حرب
الغواصات" بهدف إغراق أية سفينة تجارية دون سابق إنذار، لتجويع بريطانيا
وإجبارها على الاستسلام، غير أن هذه الحرب استفزت الولايات المتحدة، ودفعتها
لدخول الحرب في (رجب 1335هـ= إبريل 1917م)، خصوصًا بعد أن علمت أن الألمان
قاموا بمحاولة لإغراء المكسيك لكي تهاجم الولايات المتحدة في مقابل ضم ثلاث
ولايات أمريكية إليها.
وكانت الولايات المتحدة قبل دخولها الحرب تعتنق مذهب مونرو الذي يقوم على عزلة
أمريكا في سياستها الخارجية عن أوروبا، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل
في الشؤون الأمريكية، غير أن القادة الأمريكيين رأوا أن من مصلحة بلادهم
الاستفادة من الحرب عن طريق دخولها.
وقد استفاد الحلفاء من الإمكانات والإمدادات الأمريكية الهائلة في تقوية
مجهودهم الحربي، واستطاعوا تضييق الحصار على ألمانيا على نحو أدى إلى إضعافها.
الحرب عام 1917
ومن الأحداث الهامة التي شهدها عام (1336 هـ= 1917م) قيام ونجاح الثورة
البلشفية في روسيا، وتوقيع البلاشفة صلح برست ليتوفسك مع الألمان في (جمادى
الآخرة 1336هـ= 1918م)، وخروج روسيا من الحرب. وشهد ذلك العام ـ أيضًا ـ قيام
الفرنسيين بهجوم كبير على القوات الألمانية بمساعدة القوات الإنجليزية، غير أن
هذا الهجوم فشل وتكبد الفرنسيون خسائر مروعة سببت تمردًا في صفوفهم، فأجريت
تغييرات في صفوف القيادة الفرنسية.
ورأى البريطانيون تحويل اهتمام الألمان إلى الجبهة البريطانية، فجرت معركة
"باشنديل" التي خسر فيها البريطانيون (300) ألف جندي بين قتيل وجريح، ونزلت
نكبات متعددة في صفوف الحلفاء في الجبهات الروسية والفرنسية والإيطالية، رغم
ما حققه الحلفاء من انتصارات على الأتراك ودخولهم العراق وفلسطين.
الحرب عام 1918 ونهاية المأساة
شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من (400) ألف جندي
ألماني كانوا على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، واستطاع
الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في (جمادى الأولى 1336هـ= مارس 1918م)،
وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح،
والأموال، وقدرت كلفة الحرب في ذلك العام بحوالي عشرة ملايين دولار كل ساعة.
وبدأ الحلفاء يستعيدون قوتهم وشن هجمات عظيمة على الألمان أنهت الحرب، وقد
عرفت باسم "معركة المارن الثانية" (شوال 1336هـ= يوليه 1918م) وكان يوم (1 من
ذي القعدة 1336 هـ = 8 أغسطس 1918 م) يومًا أسود في تاريخ الألمان؛ إذ تعرضوا
لهزائم شنيعة أمام البريطانيين والحلفاء، وبدأت ألمانيا في الانهيار وأُسر
حوالي ربع مليون ألماني في ثلاثة شهور، ودخلت القوات البريطانية كل خطوط
الألمان، ووصلت إلى شمال فرنسا، ووصلت بقية قوات الحلفاء إلى فرنسا.
واجتاحت ألمانيا أزمة سياسية عنيفة تصاعدت مع توالي الهزائم العسكرية في ساحات
القتال، فطلبت ألمانيا إبرام هدنة دون قيد أو شرط، فرفض الحلفاء التفاوض مع
الحكومة الإمبراطورية القائمة، وتسبب ذلك في قيام الجمهورية في ألمانيا بعد
استقالة الإمبراطور الألماني، ووقعت الهدنة التي أنهت الحرب في (6 من صفر
1337هـ= 11 نوفمبر 1918م) بعد أربع سنوات ونصف من القتال الذي راح ضحيته عشرة
ملايين من العسكريين، وجرح (21) مليون آخرين.
============================
الحرب العالمية الثانية
أسباب الحرب
تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى التي غيرت رسم خريطة العالم وخاصة أوروبا.
إبرام معاهدات عقابية خاصة لألمانيا في معاهدة فرساي سنة 1919. (خسرت ألمانيا بموجب هذه المعاهدة 12.5% من مساحتها و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي و10% من صناعتها و74% من إنتاجها من خام الحديد). ونصت معاهدة فرساي على ألا يزيد الجيش الألماني على مائة ألف جندي، ودفع تعويضات كبيرة للحلفاء.
ظهور النازية بألمانيا في يناير/ كانون الثاني 1933، والفاشية بإيطاليا في أكتوبر/ تشرين الأول 1922.
قيام حلف جديد عرف بدول المحور يضم ألمانيا وإيطاليا ثم انضمت إليه بعد ذلك اليابان.
بداية الحرب :
كان احتلال هتلر للنمسا في مارس/ آذار 1938 ثم تشيكوسلوفاكيا في العام الموالي وبولندا في سبتمبر/ أيلول 1939 ثم تهديد إيطاليا بغزو ألبانيا، سببا مباشرا في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على دول المحور.
واشتعلت الحرب في أوروبا وكان الجيش الألماني متقدما على جميع الجبهات الأوروبية، فقد احتل أغلب الدول ودخلت قواته باريس. إلا أن مهاجمته للاتحاد السوفياتي في يونيو/ حزيران 1941 جعلته يترك ظهره للبريطانيين.
الولايات المتحدة والحرب
القضاء على مبدأ مونرو
قامت سياسة الولايات المتحدة منذ بداية عشرينيات القرن التاسع عشر على ما عرف حينها بمبدأ مونرو أو مبدأ الحياد، وهو إعلان أطلقه الرئيس الأميركي جيمس مونرو سنة 1823 وقد نص مبدأ مونرو الذي تم طرحه في خطاب أمام الكونغرس الأمريكي على:
ضرورة عدم مد الدول الأوروبية نفوذها الإستعماري نحو أميركا.
التزام الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية.
إلا أن هذا المبدأ ما لبث أن تم التخلي عنه بعد قرن من إقراره حيث تبنى الرئيس وودرو ويلسون (1913-1921) الدعوة الى الحرب واستخدام القوة العسكرية، ومع أن أهمية التمسك بمدأ مونرو ظلت تتردد في الأوساط السياسية الاميركية، إلا أن مجيء فرانكلين روزفلت الى الرئاسة (1933 – 1845) قضى على هذا المبدأن ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أميركا تنتهج خطأ عسكرياً مؤثراً في الاحداث الدولية وتهدد أمن كل من يقف أمام المصالح الاميركية اعتماداً على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة. وكان أبرز عملية عسكرية قامت بها أميركا في الحرب العالمية الثانية هي:
الإنزال بالنورماندي
في 6 يونيو /حزيران 1944 قامت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الأميركي دوايت أزنهاور الذي سيصبح فيما بعد رئيس الولايات المتحدة بإنزال عسكري في شمال فرنسا على شاطئ النورماندي. ود تم إنزال أكثر من 200 ألف جندي أغلبهم أميركيين والبقية بريطانيون وكنديون وفرنسيون.
وقد تم التخطيط للعملية التي تعد أكبر إنزال عسكري في القرن العشرين في بريطانيا وقد تم تحرير المنطقة من الجيش الألماني بعد أن كانت الخاسرئر في الطرفين تقدر بـ 3 آلاف قتيل و6 آلاف ما بين جريح وأسير ومفقود.
معركة بيرل هاربور
قامت أميركا في عهد فرانكلين روزفلت بفرض حظر بترولي على اليابان ومنع تصدير الحديد إليها تعاطفا مع حلفائها التقليديين البريطانيين والروس، فما كان من اليابان إلا أن هاجمت القطع البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر بالمحيط الهادي في ديسمبر/ كانون الأول 1941 مغرقة أكثرها.
وقبل نهاية 1942 هزم الأميركيون الأسطول الياباني في معركة "ميداوي"، وهُزم القائد الألماني رومل في العلمين بمصر كما هزمت القوات الألمانية في ستالنغراد بالاتحاد السوفياتي، فبدأت هزيمة دول المحور تلوح في الأفق ودخل الحلفاء ألمانيا في ديسمبر/ كانون الأول 1944. كما أعدم الثوار الإيطاليون "موسوليني" وعلقوه من قدميه في أحد أعمدة الإنارة بميلانو. وانتحر هتلر يوم 30 أبريل/ نيسان 1945 فاستسلمت ألمانيا.
القنبلة الذرية ونهاية الحرب
كانت اليابان آخر دول المحور انهزاما، فلم توقف الحرب إلا بعد قصف مدينتيها هيروشيما وناغازاكي بأولى قنبلتين ذريتين في التاريخ، وإثر ذلك وقعت اليابان وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط يوم 2 سبتمبر/ أيلول 1945، وبعدها بثلاثة أيام ارتفع العلم الأميركي فوق طوكيو.
خسائر الحرب العالمية الثانية
انتهت الحرب العالمية الثانية بعد ست سنوات من القتال الشرس، خسرت فيها البشرية حوالي 17 مليونا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين.
ومن أبرز نتائج تلك الحرب وخسائرها إسقاط قنبلتين ذريتين على اليابان، فالأولى كانت قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 أطنان وتم إسقاطها في الساعة 8:15، وقد أخطأت الهدف قليلا وسقطت على بعد 800 قدم منه. وبعد ذلك بدقيقة واحدة قتل 66 ألف شخص وجرح 69 ألفا بسبب التفجير المتكون من 10 آلاف طن.
أما الثانية فكانت قنبلة بلوتونيوم وتم إسقاطها في وسط ناغازاكي، وفي لحظة واحدة انخفض عدد سكان المدينة من 422 ألفا إلى 383 ألفا لأن 39 ألفا قتلوا و25 ألفا جرحوا.
نتائج الحرب السياسية
كانت الولايات المتحدة وراء تشكيل كل من عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة. فالعصبة أنشئت برأي من الرئيس الأميركي الثاني والعشرين توماس ويلسون، بينما كانت الثانية بمبادرة من الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة هاري ترومان،
وقد حاولت الولايات المتحدة، من خلال الأمم المتحدة، مواجهة القوى الأوروبية الصاعدة التي يمتد نفوذها وراء البحار (بريطانيا وفرنسا تحديداً) والاتحاد السوفيتي الذي أخذ نفوذه يتسع. ومن خلال المنظمة الدولية ستملك أميركا -وفق هذا المنظور- آلية للمنافسة مع هذين العملاقين اللذين يجب احتواءهما داخل إطار المجتمع الدولي. ولتقليص نفوذ الدور الأوروبي، شجعت الولايات المتحدة تنفيذ حق تقرير المصير للمستعمرات ليس لأنها ضد الاستعمار. كما كان مشروع مارشال الذي وضعته الولايات المتحدة لإعادة بناء أوروبا المدمرة، مسهما في إبقاء هذه الدول مدينة للولايات المتحدة، إضافة إلى أن هذا المشروع البرنامجي أسهم في إشراك النفوذ الأميركي في صياغة النظم السياسية والتأثيرات الحربية المباشرة في أوروبا.
==============================
الحروب الروسية التركية
الحروب الروسية التركية نزاعٌ بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية (تركيا الآن) استمر نحو ثلاثة قرون دون انقطاع تقريبًا منذ القرن السابع عشر الميلادي.
أعلنت روسيا الحرب على تركيا المتداعية آنذاك في سبيل توسعها الكبير وتحقيق الهدف الأول لبطرس الأول الكبير وهو الوصول إلى البحر الأسود. كان الأتراك قد آزروا تتار القرم، الأعداء القدامى للروس. وظلت روسيا حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي تتجنب الدخول في حرب مباشرة مع الأتراك لأن الدولة العثمانية كانت هي الأقوى. لكن الضعف بدأ يدبّ في أوصال دولة العثمانيين، واشتدت قوة الروس وشرعوا في التوسع نحو البحر الأسود والبلقان، وكان الأتراك يسيطرون على هاتين المنطقتين. وتركَّزت محاولات الدولة العثمانية في المقام الأول على الدفاع عن نفسها.
شن بطرس الأكبر ـ ومن بعده كاثرين ملكة روسيا ـ حروبًا عنيفة على الأتراك، حيث أجبرهم بطرس الأكبر على التراجع عن معظم المنطقة التي تعرف الآن بأوكرانيا، بينما غزت جيوش كاثرين القرم وأكملت غزو الأراضي الجنوبية لإقامة المستعمرات الروسية، وأرغمت الأتراك أيضًا على السماح للسفن التجارية الروسية بالإبحار في البحر الأسود، وانتزعت امتيازات معينة للنصارى الأرثوذوكس الذين يعيشون في الدولة العثمانية. واستغلت روسيا هذا فيما بعد في الادعاء بأنها الحامية الرسمية لهؤلاء النصارى، مما أدى إلى وقوع الكثير من المتاعب، من بينها اندلاع حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
وتحالفت روسيا والنمسا ضد العثمانيين في جميع الحروب الثلاث التي وقعت خلال القرن الثامن عشر الميلادي (1736-1739، 1768- 1774، 1787- 1792). وتحالفت روسيا والدولة العثمانية، لفترة قصيرة، في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً. وفي القرن التاسع عشر الميلادي، نشبت بينهما أربع حروب (1806-1812م و 1828-829م و 1853- 1856م و 1877- 1878م)، وفي نهاية الحرب الأولى، غنمت روسيا منطقة بيساربيا، واكتسبت موقعًا خاصًا في البلقان، وخرجت من الحرب الثانية مسيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأسود. أما الحرب الثالثة، وهي المعروفة بحرب القرم، فقد انتصر فيها الأتراك، وخسرت روسيا هيمنتها على البلقان ومنطقة البحر الأسود، ثم استعادت بعض ماخسرته في الحرب الرابعة حينما وقَّع البلدان معاهدة سان ستيفانو.
وأدى تحالف تركيا مع ألمانيا عام 1914م مباشرة، إلى حرب روسية تركية جديدة، كانت جزءًا من الحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا تأمل في الاستيلاء على القسطنطينية ومضيق الدردنيل. وفي الحرب العالمية الثانية؛ انضمت روسيا وتركيا إلى الحلفاء.
===========================
الثورة الأمريكية
الثورة الأمريكية (1775 - 1783م). هي الثورة التي قامت ضد بريطانيا، وأدت إلى ميلاد دولة جديدة باسم الولايات المتحدة. كانت الثورة أو الحرب الثورية قد اندلعت بين بريطانيا والولايات الثلاث عشرة الممتدة على الساحل الأطلسي في أمريكا الشمالية.
بدأت الحرب في 19 أبريل 1775م عندما اصطدم البريطانيون بالثوار الأمريكيين في مدينتي لكسنجتون وكونكورد في ماساشوسيتس، واستمرت ثماني سنوات وانتهت في 3 سبتمبر 1783م، عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة.
مذبحة بوسطن حدثت في 5 مارس عام 1770م، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على بعض الأمريكيين وقتلوا خمسة منهم. هذه الدعاية الوطنية التي قام بحفرها الفنان بول ريفير لإثبات الحدث، سماها مذبحة بوسطن لتحريض المستوطنين ضد الحكم البريطاني.
أسباب الحرب وخلفياتها. كان النفوذ البريطاني في أمريكا الشمالية في أوجه قبل الثورة الأمريكية بسنوات قليلة. فقد تغلبت بريطانيا في حربها مع الفرنسيين والهنود، وكانت المعاهدة التي أنهت الحرب قد ضمنت لبريطانيا معظم الأراضي التي كانت بيد الفرنسيين في أمريكا الشمالية التي كانت تمتد من جبال الأبلاش في الشرق إلى نهر المسيسيبي، ومن ضمنها رقعة واسعة في كندا. كان معظم أهل المستعمرات الأمريكيين يفخرون بانتمائهم إلى الإمبراطورية البريطانية، في وقت كانت تُعتبر فيه أقوى الإمبراطوريات في العالم.
كان من حق المستعمرات أن تنتخب ممثليها لجمعية تشريعية تقوم بسن القوانين وفرض الضرائب، ولكن حاكم المستعمرة كان له حق نقض أي من تلك القوانين. وكانت بريطانيا تأمل من المستعمرات الأمريكية أن تخدم مصالحها الاقتصادية وقد رضيت المستعمرات بذلك بصورة عامة. والمثال على ذلك أنها امتنعت عن صنع المواد والسلع المنافسة لمثيلاتها البريطانية.
تغيُّر السياسة البريطانية. بدأت بريطانيا بتغيير سياستها بعد الحرب الفرنسية والهندية، وذلك بتشديد قبضتها على مستعمراتها الشاسعة في أمريكا، فصوت برلمانها على وجود جيش مرابط في أمريكا الشمالية. وصدر قانون يلزم المستعمرات بأن تؤمن لذلك الجيش الثكنات والتجهيزات كما صدر قرار بتخصيص أراضٍ واقعة غرب جبال الأبلاش لإسكان الهنود، ومنع البيض من إنشاء مستوطنات لهم في تلك الأراضي، وتعيين الحراس لإبعاد المستوطنين عنها. لقد اغتاظ المستوطنون من هذا القرار قائلين بأنه لا يحق لبريطانيا أن تمنعهم من الاستيطان، كما أن الكثيرين منهم كانوا يطمعون في تحقيق أرباح لهم في شراء الأراضي في الغرب.
دعاية بريطانية تُظهر اللوحة جماعة ثائرة من المستوطنين تنقض على جابي الضرائب، وتسكب عليه القطران وتجبره على شرب الشاي وهو يغلي. أما خلفية الصورة فتوضح بعض المستوطنين وهم يفرغون الشاي الإنجليزي في البحر.
قانون الطابع. رأت بريطانيا ضرورة مشاركة أهل المستعمرات في تحمل نفقات جيوشها في أمريكا، فأصدرت في سنة 1765م قانونًا عرف بقانون الطابع، بموجبه تُدفع رسوم على الصحف وورق اللعب والشهادات العلمية والعديد من المستندات الرسمية على غرار ما كان معمولاً به في بريطانيا.
اندلعت أعمال الشغب في المستعمرات احتجاجًا على هذا القانون، ورفض الناس السماح ببيع تلك الطوابع متعللين بأنه لا يحق لمجلس البرلمان البريطاني أن يفرض ضرائب على المستعمرات، لاعتقادهم بأن ذلك هو من حق هيئتهم التشريعية التي انتخبوها. وقرر التجار في جميع الموانئ أنهم سيقاطعون البضائع البريطانية مالم يقم مجلس البرلمان بإلغاء ذلك القانون. وقد ألغى مجلس البرلمان قانون رسم الطابع في السنة التالية مصدرًا قرارًا آخر يجعل للملك والبرلمان الحق التشريعي في إصدار القوانين الخاصة بالمستعمرات في كل المسائل.
قانونا تاونزهند. أصدر البرلمان البريطاني بعد ذلك قانوني تاونزهند، نسبة إلى وزير الخزانة آنذاك، فَرَض أحدهما ضريبة على الرصاص والأصباغ والورق والشاي كما فرض الآخر إنشاء مكتب للجمارك